مجلة الغرباء 2006 - بقلم: محمد علي شاهين
لم يكتف المسلمون بالسماع والنقل من كتب الأقدمين للوصول إلى المعلومات الجغرافيّة الدقيقة، بل اتجهوا نحو الرحلة واكتشاف المجهول، ليس للاستمتاع باكتساب معارف
جديدة فحسب، ولكن لأنّ التجربة والمشاهدة هما السبيل الأمثل للحصول على المعلومات الصحيحة، وكشف أوجه الحياة، وظلّت رحلات المستكشفين المسلمين في القرون الوسطى مصدراً هاماً من مصادر علم الجغرافية، حيث جاب الرحّالة المسلمون العالم القديم، وسجّلوا ملاحظاتهم، ودوّنوا معلومات في غاية الأهميّة عن التضاريس الجغرافيّة من جبال وسهول، ومواقع المدن الكبرى، وأهميتها الاقتصاديّة والسياسيّة، ودرسوا البحار والأنهار والخلجان، والحدود، ومواقع المدن، وتحدّثوا عن طرق المواصلات وقاسوا المسافات بينها، وسجّلوا في مدوّناتهم أحوال السكان الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وربطوا بين البيئة والنشاط البشري، لما للعوامل الجغرافيّة من أثر على السكّان وصفاتهم وأخلاقهم، وعاداتهم، ولاحظوا أثر مناخ الإقليم في العلوم والصنائع والمباني والملابس والأوقات والفواكه والحيوانات التي أكد العلاّمة ابن خلدون أثرها، ودوّنوا الأحداث التي وقعت خلال رحلاتهم.
وكانت المعلومات الجغرافيّة الوصفيّة والسكانيّة، ومعرفة المسالك، وطرق القوافل البريّة، والخطوط البحرية بين موانئ مدن الإسلام، ذات أهميّة بالغة بالنسبة لدولة إسلامية مترامية الأطراف، نشطت فيها حركة النقل والتجارة، بسبب ما تمتّعت به من أمان واستقرار وازدهار اقتصادي.
واشتهر العرب بحب الرحلة، وعشق الأسفار، فجابوا الآفاق وطلبوا العلم على العلماء في البلاد البعيدة، وشدّوا الرحال إلى القدس والبيت الحرام، وتفوّقوا في الوصف، وقوّة الملاحظة، وبلغوا ما لم يبلغ غيرهم من الرحّالين، كما تحدّثوا عن الجغرافيا البشريّة، وما تتضمنه من أحوال السكان، والمدن والملوك والحكّام، والمشاهير، وتعتبر الجغرافيا الوصفيّة والبشريّة والفلكيّة من أهم المنجزات التي قدّمتها العقلية العربيّة إلى الحضارة الإنسانيّة.
ويميّز الدكتور محمد الكحلاوي خمسة أنواع من الرحلات كانت على الدوام الدافع وراء كثير من الرحلات وهي: الرحلة نحو حواضر العالم الإسلامي ومراكز الثقافة فيه، والرحلات الحجازيّة طلباً للحج والعمرة والزيارة، والرحلات العلميّة، والرحلات الزياريّة لزيارة أضرحة الأنبياء والأولياء، والرحلات السفاريّة أو ما يسمى اليوم بالبعثات الدبلوماسيّة.(1)
وستبقى المعلومات الوصفيّة التي دوّنها الرحّالة العرب ذات أهميّة كبيرة لإعادة بناء وترميم ما اندثر من الآثار، فما بين أيدينا من وصف لمنارة الإسكندريّة التي دوّنها البكري، ووصف مادة بنائها، وهيئتها المعماريّة، وعدد طوابقها، وارتفاع كل طابق، وارتفاع قاعدة المنار، يعدّ كافياً لإعادة بناء هذه المنارة الرائعة التي تعدّ إحدى عجائب الدنيا السبع.
مشاهير الرحّالة المسلمين ومؤلّفاتهم:
ومن مشاهير الرحّالة المسلمين: شهاب الدين ياقوت الحموي صاحب موسوعة (معجم البلدان)، واحتوى كتاب رحلته على جميع معارف القرون الوسطى عن الكرة الأرضيّة بما فيها تراجم مشاهير البلدان، وإحداثيّات المدن، وتاريخها.
وأبو الحسن المسعودي: صاحب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) الذي وصل برحلته إلى الصين، وإلى سواحل أفريقيا الشرقيّة، وتقصّى فيها مصادر الاطّلاع بالوصف والتعليل.
ومحمد بن عبد الله اللواتي الطنجي المشهور بابن بطوطة: صاحب (تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) الذي زار بلاد العرب، والهند، وجزيرة سيلان، والصين، والقسطنطينيّة، وعدداً من البلاد الأفريقيّة.
وأبو الريحان البيروني صاحب (الآثار الباقية من القرون الخالية) الذي وصف الهند وصفاً دقيقاً.
والرحّالة المراكشي الحسن بن محمد الوزاني الشهير بجان ليون الإفريقي، الذي وصف إفريقيا وصفاً دقيقاً في كتابه (وصف إفريقيا).
والرحّالة أبي دلف الخزرجي: الذي وصف بلاد تركستان والصين والتبت والهند وسجستان.
والرحّالة ابن جبير الأندلسي: الذي رحل إلى المشرق ثلاث رحلات، استغرقت إحداها ثلاث سنوات.
والرحّالة إبراهيم بن يعقوب الأندلسي: الذي وصف ألمانيا وأوروبا الوسطى.
وابن رشيد السبتي صاحب (ملء العيبة فيما جمع بطول الغيبة في الرحلة إلى مكةوطيبة).
وأبو عبد الله محمد بن أحمد القياسي الملقب بابن مليح صاحب (أنس الساري والسارب من أقطار المغارب إلى منتهى الآجال والمآرب سيّد الأعاجم والأعارب).
ومحمد بن الطيّب الفاسي الملقب بابن كسيران: صاحب كتاب (الرحلة الفاسيّة الممزوجة بالمناسك المالكيّة).
وعبد المجيد بن علي الحسني صاحب كتاب (بلوغ المرام بالرحلة إلى البيت الحرام).
وأبو عبد الله محمد بن محمد العبدري: صاحب (الرحلة المغربيّة) أو(رحلة العبدري).
ومحمد بن عبد السلام الدرعي: صاحب كتاب (رحلة ابن عبد السلام) المشهورة (بالرحلة الناصريّة) تحدّث فيهما عن رحلتي حجه الأولى والثانية، وسمّاهما الكبرى والصغرى.
وخالد بن عيسى بن أحمد البلوي: صاحب (تاج المفرق في تجلية علماء المشرق) تحدّث فيه عن أخبار رحلته إلى الديار المقدّسة.
وابن سعيد المغربي: صاحب (النفحة المسكيّة في الرحلة المكيّة).
وخير ما ألّفه الأندلسيّون من كتب في هذا الباب كتاب (المغرب في حلي المغرب) لأبي الحسن علي بن موسى، وصف فيه بلاد المشرق والمغرب، وكتاب (نفاضة الجراب في علالة الاغتراب) لابن الخطيب، وصف فيه المغرب وآثاره، ومساجده، ومدارسه، ولقي فيه الصالحين ؛ وكما تخصّص البيروني بالهند تخصص أحمد الهمذاني بجزيرة العرب فكتب (صفة جزيرة العرب) وكتب ابن فضلان عن تركيّا وأجزاء من روسيا، وخاصّة منطقة نهر الفولغا.